![]() |
#1
|
||||
|
||||
تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ..لأولِ مرَّةٍ تُدركُ كمْ هوَ صاخبٌ صوتُ ساعةِ الحائط ِالمُعلَّقةِ في غرفةِ نومِها ;كيفَ تَحملَتْهُ كلَّ الليالي الماضيةِ ولمدةِ ثلاثِ سنواتٍ؟؟ غريبٌ كيفَ يتحوَّلُ شيءٌ لانشعرُ بوجودهِ إلى مصدرِ إزعاجٍ مفاجئٍ! .. رغمَ أنَّها في الليالي العشرةِ السَّابقةِ, ومنذُ أنْ حَجزتْ تذكرةَ السفرِ, كانتْ تستيقظُ على ألمٍ طاعنٍ في مَعدتِها وخفقٍ مُتسارعٍ في قلبها, لمْ تتنبهْ للصوتِ إلا تلكِ الليلةِ; ربَّما لأنها ليلةُ السفرِ الطويلةِ التي ضاعَ فجرُها. لا شكَّ أنَّ الهشاشةَ التي نخرتْ في داخلِها مؤخراً قد خفضتْ عتبةَ تَنبهِها للمؤثراتِ المحيطةِ, فمجرَّدُ سماعِ صوتِ رنةِ الهاتفِ الدُّوليةِ, مثلاً, كانَ كافياً ليُوقِعَ قلبَها في قدميها. كانتْ تخشى ورودَ خبرٍ صاعقٍ في أيةِ لحظةٍ عن أخيها الوحيدِ الذي يعيشُ في البلادِ, والذي تدهورتْ صحتُهُ كثيراً في الاّونةِ الأخيرةِ. في اّخرِ مكالمةٍ لها مع أُمِّها العاجزةِ, اخترقَ صوتُها المتهدِّجُ طبلةَ أذنِها كَنصلٍ حادٍّ, ودموعُها الصامتةُ على الطرفِ الاّخرِ من السماعةِ أحرقتْ خدَّها, وبلحظةِ ضعفٍ, أو شجاعةٍ, حجزتْ تذكرةَ السفرِ. اضطرابُ الأوضاعِ المتصاعدُ في البلادِ جعلَها تتردَّدُ في اصطحابِ أولادِها الثلاثةِ معها; أولادُها، الذين رمتْ بهمْ وبنفسِها في أحضانِ الغربةِ بحثاً عن مستقبلٍ أفضلِ، رموها بنظراتِ عتبٍ قاسيةٍ, فهمْ أيضاً يحلمونَ بالسفرِ إلى الوطنِ, وكأنَّه لم تكفِها اتهاماتُ زوجِها الصامتةِ لها بالأنانيةِ بسببِ تركِها للعائلةِ وسفرِها إلى مجهولٍ لا تُعرَفُ عواقبُه بعدُ. على كلٍّ مهما كانَ القرارُ الذي اتخذَتْهُ بشأنِ السفرِ ستكونُ أنانيةً بنظرِ طرفٍ مِنَ الأطرافِ. في طريقها إلى المطارِ حاولتْ تَصفُّحَ الأخبارِ على هاتفِها المحمول: وقوعُ عددٍ جديدٍ منَ القتلى والجرحى اليومَ في..... ; ربما هذا آخرُ شيءٍ تريدُ أن تسمعَهُ الساعةَ. أغلقتِ الصفحةَ وشرعتْ تبحثُ عن أغنيةٍ لفيروز, ثم عدلتْ عن بحثِها; لاتريدُ أن تقترنَ أيُّ أغنيةٍ لها بمشاعرِها الحاليَّةِ. كانَ التمزُّقُ في داخلِها يزدادُ كلَّما ابتعدتْ بها السيارةُ عن المدينةِ, فمنذُ بدايةِ أمومتِها , هذهِ هيِ المرَّةُ الأولى التي ستتركُ فيها أولادَها تحتَ سماءٍ وتنامُ هيَ تحتَ سماءٍ مختلفةٍ, حتى ولو كانتْ سماءَ وطنِها, فمنذُ أن تغرَّبتْ أصبحتْ عائلتُها وطنَها الصغيرَ. أحسَّتْ أن روحَها تُسحبُ منها ببطءٍ مخلفةً ألماً فظيعاً. يا لهُ مِنْ تدريبٍ مجانيٍّ على شعورِ الموتِ! في المطارِ, تذكرتْ مشاهدَ الأفلامِ التي يصلُ فيها البطلُ أو البطلةُ إلى بابِ الطائرةِ ثمَّ يعودانِ أدراجَهما في اّخرِ لحظةٍ ;كانتْ أجبنَ مِن أنْ تتخذَ بنفسِها هذا القرارَ, وتمنتْ لو أنَّ الموظفةَ تخبرُها بإلغاءِ الرحلةِ, على الأقل كانتْ ستعودُ إلى بيتِها وجزءٌ من ضميرِها مرتاحٌ. عظيمْ! هيَ الاّن تمتلكُ صفتين, أنانيةٌ وجبانة. تحسَّستِ الحُبوبَ المهدِّئةَ في جيبِها وهيَ على مقعدِ الطائرةِ; صديقتُها الصيدلانيةُ أعطتْها إياهُم, وقالتْ لها في نبرةٍ مرحٍ مُفتَعلةٍ: ستجدينَ نفسَك في البلادِ بغمضةِ عينٍ .ليسَ تماماً, لكنَّها على الأقلِّ أحستْ بخدرٍ في مشاعرِها وكأنَّ شخصاً آخرَ هو القَلِقُ وليسَ هيَ. فجأةً, لاحظتْ حركةً غيرَ طبيعيةٍ في الطائرةِ, إذْ بدأَ الرُّكابُ ينهضونَ من مقاعدِهم بارتباكٍ بعدَ تَلَقِّيهمْ مظلَّاتٍ مِنَ المضيفاتِ, وصوتُ مضيفةٍ على مكبراتِ الصوتِ يعلنُ أنَّ الطائرةَ لنْ تهبطَ على مدرَّجِ المطارِ لأسبابٍ تتعلقُ بسلامتِها وأنَّ على الركابِ أنْ ينزلوا بمظلاتِهم. لمْ تعرفْ كيفَ بالضبطِ وجدتِ المظلةَ معلقةً على كتفَيها وكيفَ دُفعتْ من البوابةِ المفتوحةِ للأسفلِ. استيقظتْ مذعورةً لتجدَ المضيفةَ تبتسمُ لها وتطلبُ منها أن تضعَ حزامَ الأمانِ لأنَّ الطائرةَ تستعدُّ للهبوطِ. عادَ قلبُها يخفقُ بشدةٍ وشعرتْ كأنَّ جدارنَ الطائرةِ بدأتْ تقتربُ من بعضها شيئاً فشيئاً وتضغطُ على صدرِها, فأحستْ بالاختناقِ وبذلكَ الألمِ في معدتِها ,وبأنَّها تريدُ أنْ تتقيأ. ما هيَ إلا دقائقُ قليلةٌ حتى أذاعتْ مكبراتُ الصوتِ إعلانَ الخطوطِ الجويَّةِ عن وصولِ رحلتِها بالسلامةِ إلى مطارِ دمشقَ الدوليّ. "اّهٍ يا دمشقُ!" انطلقتِ الزفرةُ من جوفِها بتلقائيةٍ كحممِ بركانٍ تفجَّرَ بغتةً, فمازالتْ تتذكرُ جيداً زيارتَها الأولى للوطنِ منذُ عامينِ بعدَ غيابِ خمسِ سنواتٍ, وكيفَ أن قلبَها المُثقلَ بالفرحِ والشوقِ هبطَ على الأرضِ يتدحرجُ قبلَ الطائرةِ. عبورُها في المطارِ شبهِ المُقفرِ ,إلا منْ بعضِ المسافرينَ الفُرادى مثلها, كانَ يسيراً, وسرعانَ ما وجدتْ نفسَها أخيراً في الخارجِ. ثوانٍ قليلةٌ مرتْ قبلَ أن تشعرَ بأسناخِ رئتيها تفتحُ وتَعُبُّ هواءً حُرِمتْ منهُ بعدَ طولِ إدمانٍ, وأرادتْ أنْ تصرخَ صرخةَ الولادة! نسماتُ تموزَ لفَّتْها بحرارةٍ شعرتْ معها بأنَّ حضنَ الوطنِ يضمُّها ويدهُ تلمسُ صدرَها وتُسكنُ أمواجَ قلبِها المضطربةِ. أخذتْ نفساً عميقاً وشمَّت رائحتَهُ, رائحة حبيبها; يا للسخافة! كيف ساورَها خوفٌ منَ القدوم ِإلى حضنِ حبيبِها؟. أحسَّتْ بسلامٍ داخليٍّ يغمرُها من الداخلِ برغمِ روحِ الحربِ التي كانت تحوم حولِها; سلامٌ صالحَها معَ خوفِها ,ضعفِها , أنانيتِها ,وجبنِها. وشعرت بحُبٍّ يغلِّفُها ويحميها; حبٌّ يقولُ لها: أنتِ أمانةٌ في عنقي حتى تعودين إلى وطنكِ الصغيرِ.
__________________
الرب راعي فلا يعوزني شيء.. في مراع خصيبة يربضني ومياه الراحة يوردني.. |
Sponsored Links | |
|
#2
|
||||
|
||||
أنه الحب الحقيقي سيدتي أنه الحب الحقيقي ... ومهما كانت تبعات الألم في مراحل الحياة التي مضت سيبقى الوطن الحب الحقيقي لكل أم ولكل حبيبة ... سوريا ستبقى في قلوب الكل .. ستبقى محبوبة أبنائها .. ستبقى .. شكراً لك سيدتي (( صرخة الولادة )) ..
( حبيب العمر )
__________________
الأرض التي تقع عليها متـألماً عليها تتكئ وتقف من جديد
|
#3
|
||||
|
||||
عم أبو هاني..
شكرا جزيلا لهذه القراءة التي قرأت بها قلبي كلمة كلمة .. لك فائق تقديري واحترامي
__________________
الرب راعي فلا يعوزني شيء.. في مراع خصيبة يربضني ومياه الراحة يوردني.. |
#4
|
|||
|
|||
to be the best is great<but to stay the best is much greater>
لي عودة لمناقشة عن البطلة |
#5
|
||||
|
||||
عمي العزيز سالم
ما زلت أنتظر عودتك لنتكلم عن البطلة.. تحياتي ومحبتي
__________________
الرب راعي فلا يعوزني شيء.. في مراع خصيبة يربضني ومياه الراحة يوردني.. |
#6
|
||||
|
||||
دكتورة أنجيل عبد النور ..أنتِ كاتبة مبدعة وأسلوبكِ ساحر وكفى .
|
#7
|
||||
|
||||
حكيم ماجد ..
تكفيني هذه الشهادة منك لأفتخر بنفسي وأعتبر نفسي مستحقة للقلب كاتبة.. شكراً جزيلاً لك دمت شاعراً مبدعاً.
__________________
الرب راعي فلا يعوزني شيء.. في مراع خصيبة يربضني ومياه الراحة يوردني.. |
#8
|
|||
|
|||
هذه هواجسنا وأحاسيسنا وعواطفتنا وكأنها أمواج متلاطمة لا ترسو على ناحية ولا تهدأ في زاوية وكل يوم والقلق يزداد وبمقدار حبنا لبلنا الحبيب سورية نتألم أكثر لأن الذي يجري يبعث الألم ويؤجج العواطف ويستنهض الضمير الغائب أو الميت ولا حياة لمن تنادي , فيا رب أنر القلوب بمحبة السلام وعودة الأمان .
ما أعظم التعبير وتحريك العواطف وإظهار حلاصة الشعور المعذب والقلق والحب لسورية شكراً لك .
__________________
الصديق كالوريد يمد القلب بالحياة |
#9
|
||||
|
||||
سيد مطانيوس
أشكرك على أخذ الوقت وقراءة القصة, وأشكرك على تفاعلك الجميل معها. أضم صوتي إلى صوتك بالدعاء لعودة السلام والأمان إلى سوريتنا الحبيبة. تقبل فائق تقديري واحترامي
__________________
الرب راعي فلا يعوزني شيء.. في مراع خصيبة يربضني ومياه الراحة يوردني.. |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
Sponsored Links | |
|