![]() |
ما هو الغزل العذري
ما هو الغزل العذري ؟ هو ما تمخضت عنّه قرائح الشعراء العذريين الذين مارسوا الحُبّ العذري الذي سُميَّ بهذا الاسم نسبةً إلى قبيلة عذرة القضاعية اليمانية ، فقد اشتهرت هذهِ القبيلة بهذا النوع من الحب العفيف الطاهر المترفع عن الشهوات ، والمتمسك بالأعراف والتقاليد البدوية ، ويذكر عن هذهِ القبيلة ، أنها كانت تمتاز بجمال نسائها وكثرة شعرائها المتيمين ، وقد قيل فيها / والجمالُ في عذرة والعشقُ كثير / ويذكر أنهُ قيل لأعرابي من عذرة : ما بال قلوبكم كأنها قلوب طيرٍ تنماث كما ينماث الملحُ مع الماء؟ فأجاب ردّاً على هذا : لأنّا ننظر إلى محاجر أعينٍ لا تنظرون إليها . وسئل آخر :ممن أنت ؟ فأجاب : من قومٍ إذا أحبوا ماتوا ، فسمعتهُ جاريةٌ كانت بالقرب منهما وقالت : عذريٌ ورب الكعبة ، ويذكر أيضاً أنه قيل لإعرابي من بني عامر : هل تعرفون فيكم المجنون الذي قتلهُ الحب ؟ فقال : هذا باطلٌ ، أنما يقتل العشق هذه اليمانية الضعاف القلوب ،وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلُ على ما لهذه القبيلة من شهرةٍ بهذا الحب العفيف الطاهر البعيد عن الإثم والبريء من جمحات الشهوة الجنسية ، ويبدو لي أن ذلك نتيجة طبيعية لسطوة البيئة البدوية الصارمة التي تسِمُ بميسمها ذلك المجتمع البدوي الملتزم بالأعراف والتقاليد ، التي تفرض على البدوي كبت رغباتهِ الداخلية حفاظاً على سمعة الحبيبة وتمسكاً بما تقتضيه الأعراف من تقييدٍ للمشاعر وتحديد للتصرفات ، وبسبٍ من ذلك كان الشاعر العذري يكتفي بالحديث والنظر ، وبهذا يقول جميل بثينة لا والذي تسجد الجباهُ لهُ .........مالي بما دون ثوبها خبـرُ ولا بفـيها ولاهـمـمت بهِ........ما كان إلاّ الـحديـثُ والنظرُ والبيئة البدوية تمتاز بالحّلِ والترحال الذي كان يفرق بين المحبين فيصبح كلُ منهما بأرض ، فيؤدي ذلك إلى تأجج العاطفة واتقادها بشكلٍ دائمٍ لا يُلمس لهُ فتوراً ، ومنه كان الحبيب إذا استبد بهِ الشوقً إلى محبوبته ، يسعى إليها مندفعاً بكلِ ما لديه من قدرات ، حتّى لو كلّفه هذا حياته وبهذا المعنى يقول جميل : يقولون جاهدْ جميلُ بغزوة ..........وأيُّ جهاد غيرهن أريدُ لكل حديثٍ بـيـنهـنّ بشاشةٌ........... وكل قـتـيلٍ بينهّن شهـيدُ ولهذا الغزلُ ميزات كثيرة ،لا يمكن الإحاطة بها جميعها بهذه الأسطر القليلة ، حيث لا متسع لذلك ها هنا ، ولكن يمكن التحدث عن بعضها كمثال ، ومن هذه الميزات : المعاناة والشكوى الدائمة وبهذا يقول عروة ابن حزام عمّا يعانيهِ من حب عفراء جعلتُ لعراف اليمامة حُكمه ..........وعرّاف نجدٍ إن هما شفياني فما تـركا من رقيةٍ يعلـمانها ............ولا سلـوةٍ إلاّ بـها سقـيـاني وما شفـيا الـداء الذي بي كلّهُ ............ولا ذخّرا نصحاً ولا ألواني فقالا شفاك اللهُ ، واللهِ ما لـنا ..........بما ضُمنت منك الضلوعِ يدانِ فيا واشيي عفرا دعاني ونظرةٍ .........تقـرّ بها العـيـنانِ ثـم كِـلاني اغـركما مـني قميـصٌ لـبستـهُ ............جـديـدٌ وبرداً يـمنة زهـيّانِ متى ترفعا عني الٌقميصَ تبينا ...........بيَّ الضر مـن عفراء يافتيانِ وتعترفا لحماً قلـيـلا وأعـظماً ............رقـاقـاً وقـلـباً دائم الخَفَـقـانِ ومن ميزات هذا الغزل أيضاً : الوحدانيّة بالحب : فالشاعر العذري يتمسّك بامرأةٍ واحدة لا يتحوّل عنها مهما حاول العزّالُ صرفهُ عنها فهو لا ينظرُ إلى سواها مهما كان جمالها يفوق جمال محبوبتهِ ، ولا يتمنّى أن يرى غيرها ، يقول ابن ذريح : فتنكرُ عيني بعدها كلَ منظرٍ ..........ويكرهُ سمعي بعدها كلَّ منطِقِ فيهِ ، وبهذا يقول المجنون : هي السحرُ إلاّ أن السحرَ رقية ..........وإنّي لا أُلفي لها الدهرَ راقيا ويقول جميل بهذا المعنى : يقولون : مسحورٌ يجنّ بذكرها ..........وأُقسِمُ ما بي من جنونٍ ولا سحرِ هذا غيضٌ من فيضٍ مما كتب وقيل من وعن هذا الغزَل، وأعترف بتقصيري عن الإحاطة بكل سمات هذا الشعر الجميل ،ولعلَ السبب يكمن في عدم تلاؤم الإطالة مع ما يكتب على صفحات هذا الموقع ، فأرجو المعذرة . المرجع : الغزل في عصر بني أميّة ، للدكتور إحسان النصّ |
شكراً لكَ أيها الصديق على إضافتك لهذا النص الجميل الذي يعيدنا إلا زمان جميلٍ بعشقهِ وشعرهِ وشعرائه..سلمت يداك .:rose2: |
شكرا
شكرا أخ سليمان لللإضافة والتوضيح عن حالة حب بتنا نفتقد اليها ولكل معانيها العميقة في زمن لم يعد للحب أي قيم سعيدة بما قرأت وننتظر منك الجميل دائماً |
موضوع جميل تطرقت له صديقي العزيز "ولم تقصّر في الشرح والأمثلة وإذا كان الحبّ العذري شارف على الانقراض في هذا العصر إلاّ أنه لازالت هناك بقايا واضحة لهذا النوع من الحبّ . واسمح لي أن أذكر هذين البيتين من خاتمة قصيدة لي بعنوان ( شاعر عذري )
أنا الشاعرُ العذريُّ أهفو لبسمةٍ ____وألفاظُ من أهوى تسرُّ خواطري فلا بارك الله النفوسَ إذا غــدَت _____تهمُّ وتسعى لارتكابِ المحاذرِ شكراً أبا محفوض وتحيّتي للجميع |
إذا كان حب ذاك الزمن نسميه الحب العذري والقول يمثل الواقع فحب الفيسبوك ماذا نسميه , الشاب له من المحبوبات أعداد وكذلك الشابات لهن أعداد أيضاً وكيف انقلبت المعايير , الحب أصبح غاية والتواصل أصبح وسيلة والكل يضع على الشاشة المواصفات والمقاييس وتبقى العلاقة قائمة حتى يأتي الطلب فالذي ينال أكثر علامات يفوز وكان الله في عون أصحاب الضمير , وطبعاً ليس الجميع وتختلف المجتمعات أيضاً وما دفعني لهذا القول هو عندما يقال لشاب مثلاً فلانة تكون الاجابة فوراً مرتبطة ومتى كنا نسمع هذه الكلمة وشكراً لما تفضلت به .
|
شعر جميل يجوش بمشاعر إنسانية راقية تترفع عن المنكر وتتمثل قيم مجتمعاتها وتعبر عن تقبل برضى عن أخلاق عشاقها لم تقصر أبدا لقد كنت خير دليل لسائح عبر زمان قد يحن إليه من يعشق الفضائل التي تغيرت كما تفضل الأخ مطانيوس
شكرًا لقد أتحفتنا |
ردّ على مشاركات
الأصدقاء ؛ د ماجد سطاح ـ ديزرت روز ـ عبدالعزز ـ مطانس سلامة ـ سيلفا ؛بدايةً أعتذر للتأخير ، وقد كان بسب عطل طارئ لدي ،وبعدها أشكركم علي استحسانكم للموضوع . مروركم آنسني وأسعدني .
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:48 PM. |
Powered by vBulletin V3.6.2. Copyright ©2000 - 2022
تصميم الموقع وسام عبد العزيز جميع الحقوق محفوظة, Copyright ©2001 - 2022